الروحانية

روحانيتنا مترسِّخة في سرِّ التجسُّد المقدس، وفي السرِّ المقدس للكلمة الذي صار جسدًا في أحْشاء العذراء مريم الكلِّيَّةِ القداسة.

نحن نعيش بشكل خاص مظاهر التجسد الثلاث:

اولا – الاساس: يجب أن يكون لدينا تَقوى عميقة وجذرية للثالوث الأقدس، الذي هو المَبدأ العامل للتجسُّد ولِكلِّ وما يَختَصُّ به: للآب من حيث أنه مَبدأ الابن – إني من الآب خَرجت وأتيت (يو 8/42) – وللروح القدس من حيث أنه الحب الشخصي الذي منه تَنبُع كل الأعمال الإلهية – بفعل ونعمة الروح القدس . ومن هنا أيضًا تَنبُع أوَّلية كلِّ ما هو روحي في تَفكيرنا وشُعورنا وتَصرُّفنا، بما أن الله هو الذي يعمل فيكم الإرادة والعمل في سبيل رضاه.

ثانيا – الطبيعتين، الإلهية والبشرية: نريد أن نحيا بالمِلء القِيم السامِيَة: الإيمان والرجاء والمحبة، حتى نَصير مِلحًا… ونَصير نورًا… (متى 12/13 ت) لكي لا نَكون من العالم. من هنا تأتي ضَرورة الصلاة المستمرة – لا تَكُفُّوا عن الصلاة (1 تس 5/17) – وضَرورة تَطَهُّر الحَواسّ والروح تطهيرًا إيجابيًّا وسلبيًّا؛ إن لم تَتوبوا، تَهلكوا بأجمعِكم بالمِثل (لو 13/3).

نريـد أن نحيا بالمِـلء قِيَمَ التخلِّي عن الذات : التواضع والبِر والتضحية والفقر والألم والطاعة والمحبة الرحيمة … ، ويتلخَّص ذلك كلُّه في كلمة واحدة وهي أن نحملَ الصليب. يجب أن نَكون في العالم وأن نتحمَّل في المسيح كل ما هو بشريٌّ، إذْ أَنَّ ما لا يُؤْخَذ على العاتق لا يُفتدَى «ويُمَثِّل وَثَنًا جديدًا يُصاحبه خُبثٌ قديم». فَعَلَى الكهنة – بِكَوْنِهم مرشِدين روحيِّين – أن يُنيروا الأمور الزمنية وأن يكوِّنوا العِلْمانِيِّين حتى يستطيع هؤلاء «أنْ يتصرفوا وأن يُنظِّموا الأمور الزمنية بحسب إرادة الله» ، وأَلاَّ يأخذوا ما لا يجب أن يُؤخَذ مثل الخطيئة والضَّلال والكَذِب والشر: اِجتنبوا كلَّ نوعٍ مِن الشر (1 تس 5/22).

ثالثا – بالنسبة ِلاتِّحاد الطبيعتين: إنَّ مركز حياتِنا يجب أن يكون يسوع المسيح، الإله الحقيقي والإنسان الحقيقي الذي يُوَحِّد في شخصه الإلهي الوحيد كِلْتا الطبيعتين، والذي به نعترف بالحقيقة أن الكلمة صار جسدًا (يو 1/4)، وأنه الوَسيط بين الله والبشر (1 تيم 2/5) وأنه الوحيدالذي لَديه كلمات الحياة الأبدية. إنه الشخص الذي هو الغاية النهائية للتجسُّد. ويجب أن تَظهر بطريقة خاصة عِبادتُنا ليسوع المسيح في سرِّ التجسُّد؛ وفي تَخَلِّيه عن ذاته مرة ثانية في سرِّ الآلام – وهو الفِعل الكَهَنوتي الأسمَى – الذي يجعلنا نتأمَّل بِإعجاب، بفضل هذا التناقض العجيب، في التَّخلِّي العميق «kenosis» الموجود في التجسُّد؛ وكذلك في سر مجيئة الثاني الذي سيُتَمِّم مِلْءَ مجيئه الأول.

هناك ثلاثةُ أشياءٍ (التي نُسمِّيها أشياءَ الكنيسةِ البيضاءَ) تَلتصق التصاقًا حَميمًا بسر التَّقوى الذي أُظهِر في الجَسد (1 تيم 3/16)، وبالتالي تَتعلَّق أيضًا بمحبَّتنا، أَلا وهي:

  • الإفخارستية التي تَستمر بواسطة عمل الكهنوت الكاثوليكي، أيْ التجسُّد من خِلال عُنْصُرَي الخبز والخمر.
  • العذراء مريم كاملةِ القداسة التي قالت نَعَمْ لكي يَصير الكلِمة جسدًا من لحمِها ودمِها.
  • البابا الذي هو الحُضور المُجَسِّد لِحقيقة و ِلإرادة ولِقداسة المسيح.

حياة الصلاة:

تستند حياتنا الروحية على عنصرين اساسيين: القداس الالهي و السجود للقربان الاقدس.

القداس الالهي: هو مركز حياتنا، ففيه يجعل المسيح الذي هو الكاهن الأعظم والأزلي، ذبيحته الخلاصيَّة دائمة على مذابح العالم كُلِّه، وبذلك يصل تأثير آلامه إلى كُلِّ البشر في كُلِّ الأزمنة. إن القدَّاس هو الفعل الطقس الأكثر امتيازًا والليتورجية هي القمة التي تنزع إليها كلُّ قُوَّتِها ، فمنها تنحدر إلينا النعمة… وبها يتم الحصول على تقديس البشر، في المسيح، بفعالية قُصوى، وإعطاء المجد لله، وهو الشيء الذي تسعى إليه كُلُّ أفعال الكنيسة كغاية لها. (من القانون 137)

السجود للقربان الاقدس: بطريقة خاصة يجب أن نعمل على صمد والسجود للقربان الأقدس خلال ساعة محدَّدَة يوميًا – على قدر المُستطاع -، وكذلك العبادة الدائمة في كلِّ إقليم وفي كلِّ بيت على حِدَة، إذ أن عبادة القربان المقدَّس يمثِّل العمل الأكثر كمالاً لأنَّه يتشارَك مع مريم في حياتها على الأرض، عندما كانت تعبده وهو في داخل أحشائِها البتوليَّة، وفي المغارة وعلى الصليب أو في الافخارستية الإلهيَّة. إنَّها تُمثِّل أيضًا العمل الأكثر قداسة لأنَّها تُعَدُّ الممارَسَة الكامِلة لِكلِّ الفضائل: الإيمان الذي يصير كامِلاً وتامًا عندما يَعْبُد يسوع المسيح المُتَخَفِّي والمتوازي والمنسحق داخل القربان المقدَّس؛ وكذلك الرجاء – حيث أنَّنا لكي نتمكن من انتظار السماء المجيدة بِصبرٍ، ولكي يقودنا المسيح إلى تلك السماء – خلق يسوع سماء الإفخارستية الجميلة؛ وكذلك المحبَّة، حيث أنَّ المحبَّة، التي هي كُلُّ الشريعة، تتحقَّقُ كلُّها بِعبادة إلهنا ورَبِّنا، في القربان المقدس، بِكُلِّ الفكر وكلِّ القلب وكل النفس وكل القوة؛ إذ بالعبادة يمكن أيضًا ممارسة المحبَّة الكاملة مع القريب، بالصَّلاة من أجله والتَّضَرُّع لصالحه لِنَيْل النعم والرَّحمة مِن المُخلِّص إن أكثر الأعمال برًّا لهو: أن نعبد يسوع المسيح مِن أجل مَن لا يعبدونه، ومَن يتركونه وينسونه ولا يقدِّرونه ويُسيؤون إليه. (من القانون 139)

صلاة الساعات: عادتا تُصلى مع الجماعة. صلاة الساعات تحقق دوام «الدور الكهنوتي (للمسيح) من خلال الكنيسة التي تسبح الرَّب بدون توقف وتتشفع لِخلاص العالم كلِّه…». إن إن صلاة الساعات «منبع التقوى وغذاء الصلاة الشخصية» يجب أن تتمَّ مع «الامتناع بِأنَّ كُلَّ مَن يقوم بذلك الدور، بينما يُسبِّح الله، يكون أمام عرشه باسم الأم الكنيسة» (من القانون 138).

صلاة المسبحة الوردية المُقدَّسة: فيها نتأمَّل عمل الفداء الذي أخذه يسوع المسيح على عاتِقِه والذي أَشْرَكَ فيه والِدَته. «المسبحة الوردية المقدسَّة هي ذبيحة تسبيح لله من أجل الفائدة من فدائنا وهي تذكار تقوى لآلام وموت ومجد يسوع المسيح». إنَّ المسبحة الوردية هي «خلاصة تجميعية للإنجيل» ، «وهي صلاة إنجيلية ترتكز على سر التجسُّد الفادي» وفيه يتحول تكرار الليتانية الخاصة بـ «السلام عليك يا مريم…» إلى تسبيح للمسيح أيضًا.

نحن نرغب أنْ تُلَخَّص روحانيَّتُنا هكذا:

ليس يسوع أو مريم؛ ليست مريم أو يسوع

لا يسوع بدون مريم؛ ولا مريم بدون يسوع.

ليس فقط يسوع، بل مريم أيضًا،

كما ليست فقط مريم، بل يسوع أيضًا.

دائمًا يسوع ومريم؛ دائمًا مريم ويسوع.

نحو مريم بواسطة يسوع: ها هي أُمُّك (يو 19/27).

نحو يسوع بواسطة مريم: اِفعلوا ما يقولُه هو لكم (يو 2/5).

أولاً: يسوع؛ الإله الإنسان

ولكن تأتي بَعدَه مريم، أمُّ الله.

هو: الرأس؛ وهي: العُنُق؛ ونحن: الجسد.

كلُّ شيءٍ من أجل يسوع ومن أجل مريم؛ مع يسوع ومع مريم؛

في يسوع وفي مريم؛ لأجل يسوع ولأجل مريم.

وأخيرًا وببساطة: يسوع ومريم؛ مريم ويسوع

وبالمسيح نحو الآب في الروح القدس.